فصل: ومن باب ما يقول في ركوعه وسجوده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب ما يجزي الأُمي والأعجمي من القراءة:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان الثوري، عَن أبي خالد الدالاني عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزيني قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله؛ قال يا رسول الله هذا لله فما لي؟ قال قل اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني».
قلت: الأصل أن الصلاة لا تجزي إلاّ بقراءة فاتحة الكتاب لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»، ومعقول أن وجوب قراءة فاتحة الكتاب إنما هو على من أحسنها دون من لا يحسنها فإذا كان المصلي لا يحسنها وكان يحسن شيئا من القرآن غيرها كان عليه أن يقرأ منه قدر سبع آيات لأن أولى الذكر بعد فاتحة الكتاب ما كان مثلًا لها من القرآن. فإن كان رجل ليس في وسعه أن يتعلم شيئا من القرآن لعجز في طبعه أو سوء حفظه أو عجمة لسان أو آفة تعرض له كان أولى الذكر بعد القرآن ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الذكر بعد كلام الله عز وجل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر».

.ومن باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي والحسين بن عيسى قالا: حَدَّثنا يزيد بن هارون حدثنا شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه».
قلت: واختلف الناس في هذا فذهب أكثر العلماء إلى وضع الركبتين قبل اليدين وهذا أرفق بالمصلي وأحسن في الشكل وفي رأي العين.
وقال مالك يضع يديه قبل ركبتيه، وكذلك قال الأوزاعي وأظنهما ذهبا إلى الحديث الآخر وقد رواه أبو داود في هذا الباب.
قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسن، عَن أبي الزناد عن الأعرج، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه».
قلت: حديث وائل بن حجر أثبت من هذا وزعم بعض العلماء أن هذا منسوخ وروى فيه خبرًا عن سلمة بن كهيل عن مصعب بن سعد قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين.

.ومن باب الإقعاء بين السجدتين:

قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاووسا يقول قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين في السجود فقال هي السنة قال قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
قلت: أكثر الأحاديث على النهي عن الإقعاء في الصلاة، وروي أنه عقبة الشيطان وقد ثبت من حديث وائل بن حجر وحديث أبي حميد «أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد بين السجدتين مفترشا قدمه اليسرى».
ورويت الكراهة في الإقعاء عن جماعة من الصحابة وكرهه النخعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو قول أصحاب الرأي وعامة أهل العلم.
وتفسير الإقعاء أن يضع إليتيه على عقبيه ويقعد مستوفزا غير مطمئن إلى الأرض وكذلك إقعاء الكلاب والسباع إنما هو أن تقعد على مآخيرها وتنصب أفخاذها.
قال أحمد بن حنبل وأهل مكة يستعملون الإقعاء، وقال طاوس رأيت العبادلة يفعلون ذاك ابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وروي عن ابن عمر أنه قال لبنيه لا تقتدوا بي في الإقعاء فإني إنما فعلت هذا حين كبرت. ويشبه أن يكون حديث ابن عباس منسوخا والعمل على الأحاديث الثابتة في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.ومن باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن سمي، عَن أبي صالح السمان، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
قلت: في هذا دلالة على أن الملائكة يقولون مع المصلي هذا القول ويستغفرون ويحضرونه بالدعاء والذكر. واختلف الناس فيما يقوله المأموم إذا رفع رأسه من الركوع فقالت طائفة يقتصر على ربنا لك الحمد وهو الذي جاء به الحديث لا يزيد عليه وهو قول الشعبي وإليه ذهب مالك وأحمد بن حنبل.
وقال أحمد إلى هذا انتهى أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقالت طائفة يقول سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد يجمع بينهما هذا قول ابن سيرين وعطاء، وإليه ذهب الشافعي وهو مذهب أبي يوسف ومحمد.
قلت: وهذه الزيادة وإن لم تكن مذكورة في الحديث نصا فإنها مأمور بها الإمام، وقد جاء إنما جعل الإمام ليؤتم به فكان هذا في جميع أقواله وأفعاله والإمام يجمع بينهما، وكذلك المأموم وإنما كان القصد بما جاء في هذا الحديث مداركة الدعاء والمقارنة بين القولين ليستوجب بها دعاء الإمام وهو قوله سمع الله لمن حمده ليس بيان كيفية الدعاء والأمر باستيفاء جميع ما يقال في ذلك المقام إذ قد وقعت الغنية بالبيان المتقدم فيه.

.ومن باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود:

قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله حدثني سعيد ابن أبي سعيد عن أبيه، عَن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني، قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القران ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها».
قلت: قوله: «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» ظاهره الإطلاق والتخيير، والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزيه غيرها بدليل قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»، وهذا في الإطلاق كقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] ثم كان أقل ما يجزي من الهدي معينًا معلوم المقدار ببيان السنة وهو الشاة.
وفي قوله: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» دليل على أن عليه أن يقرأ في كل ركعة كما كان عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة. وقال أصحاب الرأي إن شاء أن يقرأ في الركعتين الأخريين قرأ وإن شاء أن يسبح سبح وإن لم يقرأ فيهما شيئا أجزأه.
ورووا فيه عن علي بن أبي طالب أنه قال يقرأ في الأوليين ويسبح في الأخريين من طريق الحارث عنه.
قلت: وقد تكلم في الحارث قديما وممن طعن فيه الشعبي ورماه بالكذب وتركه أصحاب الصحيح ولو صح ذلك عن علي رضي الله عنه لم يكن حجة لأن جماعة من الصحابة قد خالفوه في ذلك منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وعائشة وغيرهم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ما اتبع بل قد ثبت عن علي رضي الله عنه من طريق عبيد الله بن أبي رافع أنه كان يأمر أن يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.
حدثنا محمد بن المكي حدثنا الصايغ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن زياد حدثنا شعبة عن سفيان بن حسين سمعت الزهري يحدث عن ابن أبي رافع عن أبيه عن علي رضي الله عنه بذلك.
وفيه دليل على أن صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود غير مجزية.
وفي قوله: «إذا قمت إلى الصلاة» فكبر دليل على أن غير التكبير لا يصح به افتتاح الصلاة لأنه إذا افتتحها بغيره كان الأمر بالتكبير قائمًا لم يمتثل.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا هشام بن عبد الملك والحجاج بن منهال قالا: حَدَّثنا همام حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لا يتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وساق الحديث إلى أن قال ثم يسجد فيمكن وجهه». قال هشام: وربما قال: «جبهته من الأرض».
قلت: فيه من الفقه أن ترتيب الوضوء وتقديم ما قدمه الله في الذكر منه واجب وذلك معنى قوله: «حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله» ثم عطف عليه بحرف الفاء الذي يقتضي التعقيب من غير تراخ.
وفيه دليل على أن السجود لا يجزي على غير الجبهة وأن من سجد على كور العمامة ولم يسجد معها على شيء من جبهته لم تجزئه صلاته.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن جعفر بن عبد الله الأنصاري عن تميم بن محمود عن عبد الرحمن بن شبل قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يُوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعيرُ».
قوله: «نقرة الغراب» هي أن لا يتمكن الرجل من السجود فيضع جبهته على الأرض حتى يطمئن ساجدا وإنما هو أن يمس بأنفه أو جبهته الأرض كنقرة الطائر ثم يرفعه، وافتراش السبع أن يمد ذراعيه على الأرض لا يرفعهما ولا يجافي مرفقيه عن جنبيه.
وأما إيطان البعير ففيه وجهان أحدهما أن يألف الرجل مكانا معلومًا من المسجد لا يصلي إلاّ فيه كالبعير لا يأوي من عطنه إلاّ إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخا لا يبرك إلاّ فيه.
والوجه الآخر أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود بروك البعير على المكان الذي أوطنه وأن لا يهوي في سجوده فيثني ركبتيه حتى يضعهما بالأرض على سكون ومهل.

.ومن باب ما يقول في ركوعه وسجوده:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا ابن المبارك عن موسى بن أيوب عن عمه عن عقبة بن عامر قال: «لما نزلت: {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة: 74] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] قال اجعلوها في سجودكم».
قلت: في هذا دلالة على وجوب التسبيح في الركوع والسجود لأنه قد اجتمع في ذلك أمر الله وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم وترتيبه في موضعه من الصلاة فتركه غير جائز وإلى إيجابه ذهب إسحاق. ومذهب أحمد قريب منه. وروي عن الحسن البصري نحوا منه، فأما عامة الفقهاء مالك وأصحاب الرأي والشافعي فإنهم لم يروا تركه مفسدا للصلاة.

.ومن باب في الدعاء في الركوع والسجود:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وإني نهيت أن اقرأ راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فاجتهدوا بالدعاء فَقَمِن أن يستجاب لكم».
قلت: نهيه عن القراءة راكعا أو ساجدا يشد قول إسحاق ومذهبه في إيجاب الذكر في الركوع والسجود وذلك أنه إنما أُخلي موضعهما من القراءة ليكون محلا للذكر والدعاء، وقوله: «قمن» بمعنى جدير وحري أن يستجاب لكم.
قال أبو داود: حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور، عَن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن».
قلت: قولها يتأول القرآن تريد قوله: {فسبح بحمد ربك إنه كان توابا}.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبدة عن عبيد الله عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الرحمن الأعرج، عَن أبي هريرة عن عائشة قالت: «فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدمه منصوبتان ويقول أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
قلت: في هذا الكلام معنى لطيف وهو أنه قد استعاذ بالله وسأله أن يجيزه برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضاء والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه استعاذ به منه لا غير، ومعنى ذلك الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه، وقوله: «لا أحصي ثناء عليك» أي لا أطيقه ولا أبلغه وفيه إضافة الخير والشر معًا إليه سبحانه.